الاحتفال بالمولد النبوي في المجتمعات غير المسلمة … مقترحات عملية
بقلم الدكتور عبد الله الجباري:
حلت ذكرى المولد النبوي الشريف، وهي الذكرى التي كان يحييها عامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، في الهند وأفغانستان واليمن والعراق والشام ومصر والمغرب، يتقدمهم علماء وشيوخ مراكز العلم كالأزهر والقرويين والزيتونة، ولم يكن علماء مكة والمدينة بمنأى عن هذه الفعاليات، إلى أن برزت الدعوة الوهابية منذ ستين سنة أو يزيد، حيث طغا على السطح خطاب الإنكار ورفض الاحتفال بهذه الذكرى، ومعها برزت المناوشات الفكرية بين مؤيد ومعارض، وهي المعارك التي لم تجنِ منها الأمة خيرا، إضافة إلى أنها لم تبق حبيسة المجتمعات المسلمة، بل انتقلت إلى المجتمعات غير المسلمة، وانخرطت الأقليات المسلمة في هذا النقاش بين البدعة والسنة، والمندوب والحرام، وهم في غنى عن هذه المناقشات التي لا جدوى منها، سوى تمزيق الجماعة المسلمة والتشويش عليها.
وبالنظر في واقعنا المعاصر، فإننا نجد الدولة المنشئة للفكر الوهابي والحاضنة الرسمية له قد تراجعت عن دعمه محليا ودوليا، وانخرطت في أنشطة ترفيهية كانت ترفضها في الماضي على أساس أنها محرمات وبدع، وأنشأت لذلك هيآت رسمية للإشراف والمتابعة، وتنفق على ذلك بسخاء حاتمي كبير.
ورغم الدعم السابق لذلك الفكر، فإن كثيرا من المسلمين لم يتأثروا به، وظَلُّوا متشبثين بالاحتفال بالمولد النبوي، في البلاد الإسلامية وفي غيرها، عن طريق مهرجانات وفعاليات متعددة. ولعل التحولات التي وقعت في الدولة الحاضنة تجعلنا نتوقع تراجع كثير من التراشقات والنقاشات التي كانت تحيط بهذه المناسبة وغيرها.
إن المسلمين في عصرنا، سواء في بلادهم أو في بلاد الغربة، في أمس الحاجة إلى إحداث مناسبات وطنية أو عالمية للتفاعل مع قضايا ذات بعد قيمي، كإحداث اليوم الوطني للقراءة، واليوم الإسلامي للبيئة، واليوم الوطني للرضاعة الطبيعية، أو غيرها مما يكون مناسبة سنوية للاشتغال على موضوع ما بأبعاده الثقافية والعلمية والجمالية …
وإذا كنا في حاجة إلى إحداث هذه المناسبة وتنشيطها، فإنه لدينا الآن مناسبات قائمة تركها لنا السلف من علمائنا وأجدادنا، الذين حفظوها لنا عن طريق الاهتمام بها وعدم التهاون في إحيائها، ومن تلك المناسبات:
الاحتفال بحدث الهجرة النبوية،
الاحتفال بحدث الإسراء والمعراج،
الاحتفال بالمولد النبوي.
الاحتفال والاستبشار برمضان وليلة القدر.
وغير ذلك من المناسبات، دون أن ننسى الاحتفالات بالعيدين (الفطر والأضحى). إضافة إلى المواسم الأسبوعية التي كان لها وقع روحي في مجتمعاتنا المسلمة، خصوصا ليلة الجمعة ويومها.
هذه مناسبات ذات أبعاد رمزية وجمالية وروحية، نحييها فنوثق العلاقات مع قيمنا وثوابتنا، خصوصا توثيق الصلة بالقرآن الكريم (رمضان) وتوثيق الصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة (المولد النبوي) وتوثيق الصلة بقُربَتي الصلاة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ليلة الجمعة ويومها).
في هذه الإطار، يمكن للمسلمين اليوم أن يحيوا هذه المناسبات بالحفاظ على الجوهر والإبداع في الأعراض والأشكال، وذلك من خلال إبداع مجموعة من الأنشطة البسيطة والمركبة من أجل إعادة الروح فيها.
ويمكن لإخواننا في ديار الهجرة أن يبدعوا عدة أنشطة وفعاليات مع ربطها بحدث المولد النبوي الشريف، لتحقيق مقاصد متعددة، منها إعلان فرحهم وبهجتهم بذكرى ولادة سيد الخلق عليه السلام، وهي حقيقةٌ بالفرح والابتهاج، وإظهار صورة جمالية عن الدين الإسلامي ونبيه عليه الصلاة والسلام، ويمكن أن نذكر بعض المقترحات العملية البسيطة التي لا تكلف ماديا أو معنويا، مثل:
• إنشاء بطاقة صغيرة وجميلة، مكتوب عليها عبارات رقيقة وهادفة، وتوزيعها على سكان العمارة، أو رفقاء العمل، ويمكن أن يكتب عليها عبارات مثل: “هدية بمناسبة ولادة نبي الرحمة”، أو “هدية بمناسبة ميلاد نبي المحبة والسلام”، أو “هدية بمناسبة ولادة نبي الإسلام الذي يدعو إلى المعاملة الحسنة مع غير المسلمين”، أو “هدية بمناسبة ميلاد النبي الذي يركز على غرس الأشجار والحفاظ على البيئة”، أو عبارات هادفة أخرى، مع رسمٍ أو صورة معبرة، كالقبة الخضراء، أو شجرة، أو وردة، …
• اقتناء باقة ورد، وتوزيعها على مجموعة من الجيران أو الأصدقاء، كل وردة مصحوبة ببطاقةٍ مُعَبِّرَة. أو تعاون مجموعة أشخاص لتوزيع عدد من الورود مرفقة مع بطاقة التهنئة والهدية في محيط محطة القطار أو المترو…
• بعض المسلمين لديهم محلات تجارية، يمكنهم أن يخفضوا أثمنة منتوجاتهم والإعلان عن ذلك من خلال لافتة معينة، وإن تعذر عليهم لأسباب قانونية، يمكنهم أن يكتبوها ولو صغيرة داخل متاجرهم، أو يكتفوا بالكلام الشفهي بعد تسليم البضاعة للمشتري، بأن هذا التخفيض بمناسبة المولد، مع الابتسامة وحسن المعاملة، ويمكنهم أن يعرضوا التمر وبعض الفواكه الجافة احتفاء بالزبناء، مع تعطير المحل ببخور لائق أو عطور ذي أثر نفسي وجمالي.
• كتابة مختصر للسيرة النبوية بلغة بلد الإقامة، في أوراق قليلة وصغيرة، أو كتابة مختصر مكثف جدا في بطاقة واحدة، وطبع نسخ منها لتوزيعها على الغير.
• كتابة حدث سيري واحد بلغة بلد الإقامة، يحكي حدثا معبرا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، (مثل معاملته الحسنة مع أعدائه الذين كانوا يتربصون به ويتعاملون معه بالغدر، ولم يعاقبهم بعد أن كانوا ضعفاء أمامه، وعفا عنهم).
هذه بعض المقترحات، وهي مقترحات عملية وغير مكلِّفة، ويمكن لمسلمي أوربا أو أمريكا أن يبدعوا غيرها من الوسائل والأنشطة الفردية والبسيطة، كما يمكنهم إن كانوا أكثر تنظيما أن يجتمعوا في المساجد أو المحلات الخاصة لقراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة سيرته العطرة، وتوزيع الحلوى وإظهار الفرح، مع استدعاء غير المسلمين لهذه الفعاليات والترحيب بهم.